الصداقة بين الزوجين.. ما أحلاها!
الصداقة من أسمى وأنبل المعاني الإنسانية على الإطلاق، فبها يتلاشى ويندثر الشعور بالوحدة والغربة، وتأنس الأرواح، وتطمئن الأنفس، وتسكُن وتسعَد القلوب، وتتلاقى الأفكار، وتتعانق الأمنيات والأحلام..
الصداقة تحتم على كل صديق أن يدعم صديقه، يشاركه حزنه وفرحه، يتحمله حال غضبه، ويعطف عليه، ويلتمس له الأعذار..
وتكون الصداقة في أروع وأجلّ مواطنها حين تكون بين الزوجين، حيث تزيدهما ارتباطًا وحبًا وتراحمًا، وتجعلهما سعيدَين مُطْمَئنَين، قلما يدب بينهما أي خلاف، وإن دب لأي سبب ينتهي سريعا بحكمة ومودة دون خسائر..
تضفي الصداقة على العلاقة بين الزوجين حالة من البهجة والمتعة والحيوية على مر السنين، فيشعر كل منهما بأنه بعضٌ من الآخر، وأن روحيهما امتزجتا وصارت روحًا واحدة في جسدين، لقوة وحميمية الصداقة بينهما، تلك الصداقة التي لا تعرف حواجز أو سدودًا ولا مصالح دنيوية يُخشى ضياعها، وإنما صداقة نقية خالصة متجردة ومنزهة عن أي أهداف وأغراض.. صداقة في الله ولله، بغية رضاه ونيل رحمته وخيراته والفوز بالفلاح في الدارين.. صداقة عميقة متينة، لتأسيس بيت آمن سعيد، وتكوين أسرة مستقرة متماسكة متعاونة..
سُئِل الرسول - صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحبُّ إليك؟، فردّ أمام الناس قائلا: عائشة. فسأله السائل مِن الرجال؟ فقال: أبوها.
وهذا يعني أن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها هي الزوجة الصديقة في المنزل، وأبا بكر هو الصديق الحميم من الرجال.
وما أكثر ما ذُكر في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم من حبه للسيدة عائشة، وما رُويَ في صحيح مسلم والبخاري من أشكال الصداقة بينهما: لعب وضحك وجري وملاطفة وحوار واستماع، وكلنا يعرف القصة المشهورة قصة "أم زرع" الطويلة التي حكتها السيدة عائشة للرسول - صلي الله عليه وسلم، فرغم طولها كان يستمع إليها ويشاركها الحديث، وكانت رضي الله عنها تغارُ عليه، وتغضب وغير ذلك من مشاعر البشر، وكان صلى الله عليه وسلم يحترم ذلك ويقول في رواية للسيدة عائشة: "إني لأعلم إذا كنتِ عني راضية وإذا كنتِ عليّ غضبى؟ قالت: ومن أين تعرف ذلك؟ قال: أما إذا كنتِ عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنتِ غضبى قلت: لا ورب إبراهيم. قالت: أجل واللهِ يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك".
دور الزوج
أيها الزوج.. إذا أردت أن تكسب قلب وفكر وروح زوجتك وتكون لها خير صديق وأنيس، وتجعل حياتك الزوجية حياة هادئة هانئة مرحة، فلابد أن تعاملها معاملة البشر فتستشيرها في أمورك وتشركها في قراراتك، وتجلس معها لتبث لها همومك، وتسمع منها همومها، تمزح معها وتمزح معك، وتشعرها بأنها صديقتك، وتصبر عليها، وتحتويها وتتعاون معها دائما وتعتذر إن أخطأت في حقها، وتخبرها إن تأخرتَ خارج المنزل، وتقدم لها الهدية بين فترة وأخرى، وتحترم آراءها واقتراحاتها، وتناديها بأحب الأسماء إليها، وتتودد إليها كما تتودد إليك، ولا تظن أن في ذلك إهانة لك أو انتقاصًا من قدرك أو تنازلاً عن قوامتك، بل هذا جزء أصيل من الرجولة والقوامة، فلا خير في رجولة لا تراعي طبيعة ومشاعر المرأة.
وعليك أن تذكّر نفسك بأن هدفك هو أن تعامل زوجتك بعطف وتقدير واحترام تمامًا كما تعامل أقرب أصدقائك, وعندما لا تعرف ماذا تفعل اسأل نفسك: "إذا كان هذا الشخص صديقي فكيف سيكون سلوكي معه ورد فعلي تجاهه"..
من الأهمية بمكان أن تتذكر كيف يتعامل الأصدقاء مع بعضهم ثم تحاول تطبيق هذا في علاقتك مع شريكة حياتك..
عن عائشة – رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"، رواه الترمذي وابن ماجه.
دور الزوجة
ولأن للزوجة الدور الأكبر في صنع هذه الصداقة المرجوة وتوطيدها وتعميقها، لما تمتلكه من أنوثة وعاطفة قوية، يجدر بها أن توفر لزوجها جوًا مريحا هادئا في البيت، وتحترمه وتقدره في قرارة نفسها وأمام الجميع، وتحسن الإنصات إليه وتتحين الفرص والأوقات المناسبة للحديث معه، وتشاركه همومه ومشكلاته العائلية والعملية، وتعتني بنظافتها ونظافة بيتها وأبنائها حتى تسر نظره وتسعد قلبه، وأن تحفظ له معروفه وتشكره دائما على كل ما يبذل من أجلها وأجل أبنائهما، وعليها أن تتعاون معه على البر والتقوى وفعل الخيرات والطاعات، وتوصيه ببر أهله وصلة رحمه وأصدقائه، حتى لا يكون وحيدا، وأن تشاركه اهتماماته وهواياته، وتكون لديها القدرة على فتح باب الحوار معه بلطف وهدوء، واحترام وجهة نظره لو كانت مضادة لوجهة نظرها، وأن تساعده في اتخاذ قراراته دون تسلط أو تعصب، وتنسيه مشكلاته وهمومه حين يتحدث إليها فتكون قادرة على تخفيف الحزن عنه وإضحاكه وتوسعة صدره وإعانته على الصبر وتحمل ضغوطات الحياة.